كنت أظن أن مقالى عن موت الحب الإكلينيكى بعد الزواج لن يجد صدى وسط هذا الكم الرهيب من الأحداث السياسية، وظننت أن طرح المشاكل الاجتماعية فى زمن الثورات خيانة وصراخ فى صحراء التيه، وحرث فى المحيط، ولكن خيبت الرسائل ظنى، ليس لكمها وعددها الضخم، ولكن الأهم ما لمسته فى هذه الرسائل من شوق واحتياج وجوع إلى طرح مشاكلنا الاجتماعية المعقدة وعلاقات الزواج المهترئة وقضايا المرأة والطفل المسكوت عنها، وطرح كل هذا على طاولة التشريح ووضعه فى معامل التحليل بكل صدق وجرأة وجسارة.

من ضمن هذه الرسائل رسالة فى منتهى الأهمية، لأن كاتبها د.نبيه سمير لبيب، واحد من واضعى مناهج التدريب فى مؤسسة محترمة، تضع على أولويات نشاطها العلاقات الاجتماعية والأسرية ورفع الوعى بها داخل المجتمع، كتب يقول:

يقضى الإنسان منا ما يزيد على العشرين سنة ليتعلم كيف يصبح طبيباً ماهراً، أو مهندساً أو محامياً، لكنه لا يقضى أى وقت - أياماً أو شهوراً - ليتعلم كيف يكون أو يصبح شريكاً (زوجاً أو زوجة) ناجحاً، فالأمر ببساطة إعجاب (فى معظم الأحيان تحكمه الغريزة)، ثم ملامسات وارتباط عاطفى، ثم ارتباط زوجى، يبدأ فى إطار (حياة زوجية) فى صورة علاقة بين طرفين، سرعان ما يتحولان إلى فريقين أو خصمين، وينتهى المطاف بالزواج إلى «أهى عيشة والسلام»، أو إلى «الطلاق والحرمان والموت الزؤام». والطامة الكبرى تحدث عندما يصبح الزوج أباً، وهو لم يتعلم أن يتأهل ليصير أباً واعياً ومدرباً، وعندما تصبح الزوجة أماً لا تعرف من مقومات التربية والتنشئة الاجتماعية للطفل سوى ما ورثته بالفطرة أو من الأطر العائلية والمجتمعية المشوهة، وبالتالى تزداد المشكلة عندما تخرج للمجتمع أجيالاً جديدة تحمل ذات التشوهات وتحتفظ وتورث مكامن الخلل.

شتان الفرق بين فكرة الزواج «كعقد» بين الطرفين، وفكرة الزواج «كعهد» بين الطرفين، ففى إطار «العقد» يدخل كل شريك بنسبة معينة، ويحاول كل شريك أن يحصل على أقصى ربح أو فائدة ممكنة، والعقد قابل للفسخ وإنهاء العلاقة، وليذهب كل من الطرفين، لاحقاً، فى حال سبيله، ببساطة فى هذا المفهوم أنت لا تعطى نفسك بالكامل لشريك الحياة، بل تعطى «بعض» وقتك ومشاعرك وأموالك، فتبقى هناك مفردات اللغة.. «أشيائى وأشياؤك.. أموالى وأموالك.. عائلتى وعائلتك.. عيالى وعيالك.. جسدى وجسدك... إلخ»، ببساطة يتحول الأمر إلى علاقة كيانين منفصلين يعيشان تحت سقف واحد، يتعايشان معاً فى مساحة مشتركة، لكن لكل منهما مساحته الأخرى التى لا يشترك فيها مع الآخر، أما عن الزواج كعلاقة «عهد»، فتختلف جزئياً وكلياً عن الصورة السابقة، فى إطار علاقة العهد يهب كل شريك للآخر نفسه وممتلكاته ومشاعره وجسده من أجل إسعاد الآخر وعطاء النفس له فيخرج عندها كل إنسان من إطار ذاته ويفكر دائما فى «كيف يمكننى أن أجعل من شريك/ة حياتى أسعد إنسان/إنسانة فى هذا الكون؟» هنا فقط يا صديقى تصبح الحياة الزوجية بكل أبعادها «حياة» بمعنى الكلمة، وليست «عيشة والسلام». فى علاقة «عهد الزواج» يصير الأمر كما لو كان الشريكان عبارة عن ورقتين تم لصقهما معاً بمادة لاصقة قوية هى «الحب»، مما يجعل من انفصالهما لاحقا أمرا صعباً أو مستحيلاً.

لا نستطيع أن ننكر أنه فى زواج العهد لا تحدث اختلافات أو خلافات بيننا من حين لآخر، لكننا نتعامل مع هذه التحديات والصعوبات كأنها «حبة رمل أو غبار دخلت إلى عين إنسان»! لا نهدأ ولا نستريح يا صديقى إلا عندما تتخلص العين من حبة الغبار، نحن لا نقول أبداً هذه حبة صغيرة لن تؤثر على العين.. اتركها!، كلا يا صديقى، تحتاج علاقة الزواج إلى غدة دمعية نشطة تطرد خارج هذه العين (العلاقة الزوجية) الحساسة أى حبة غبار مهما صغر حجمها.

الزواج يا صديقى شجرة تحتاج إلى اهتمام ورعاية كلا الشريكين، الزوج والزوجة، ذبول أو تيبس هذه الشجرة هو مسؤوليتهما معاً، لا يستطيع، ولا يصح لأحدهما أن يحمل الآخر تلك المسؤولية منفرداً.